إيهاب فاروق حسني : رواية البيت القديم
صبحي شفيق يكتب عن الأدب الثائر على ثنائية الفكر
البيت القديم .. ثورة على الزمن لرتيب الذي يعيد إنتاج ما كان بالأمس
• الكاتب إيهاب فاروق حسني يواصل البناء الدائري الذي بدأه مجيد طوبيا في دوائر عدم الإمكان
• يصف الكاتب القرية وصفاً واقعياً
• سلوك الشخصيات في الرواية مواز تماماً لسلوك من ولدوا كرجال أعمال في مرحلة الانفتاح
• في الرواية نتأرجح بين الواقع وبين ما هو مخزون في ذاكرتنا من أبنية فكرية
• أعمال الكاتب المسرحية تحول فيها المجرد إلى محسوس[/b]
في فترات التحول التاريخي الكبرى، كالانتقال من العمل الزراعي وحده إلى العمل الصناعي ، ومن الإضاءة بمصابيح الزيت إلى اكتشاف قدرتنا على تجميع الضوء في أنبوب ، فإذا ما كان مجهولاً لنا من جبال وغابات تسكنها الأشباح ويحوم حولها الجان ، إذا بكل هذا يختفي، وتصبح نظرتنا إلى الحياة نظرة من يرى الطريق مفتوحاً أمامه، وأن الله سبحانه وتعالى جعلنا على الأرض لنسعى.
في هذه الفترات تحدث خلخلة في وسائل التعبير سواءء أكان أدباً أو دراما أو سينما؛ لأن المجتمع الإنساني بعد أن عاش أحد عشر قرناً لا يعرف عن العالم إلا من يأتي إليه ليحدثه عنه، أو ما ينشده شاعر شعبي من ملاحم ، بعد قرون لا يتخطى سكان إقطاعية ما حدود أرضهم، هاهي وسائل الاتصال يتوالى تطويرها، القطار، السيارة، الطائرة، التليفون… وكل وسيلة تحمل مفردات جديدة لم تكن في قاموس لغة هذا الشعب أو ذاك .
واقع أخذ في الاتساع لمن يؤمن بالتقدم…
أما الذين آثروا السكون والدعة في كادر محدود: أسرة، عمل، مقهى، سامر.. ألخ.. فهذا الجديد الذي طرأ يخرجهم عن بنية إجتماعية – نفسية – كل ما فيها يوضع تحت إتيكيت ” تقاليدنا وتقاليد أسلافنا ” .
النموذج الثابت:
وفي كل مرة أقرأ فيها عملاً جديداً لكاتب أو كاتبة لم تعرها أعمدة الصحف اهتماماً، تتتابع في ذهني كل ما أشرت إليه في مقدمة هذا الحديث: أهو كاتب أو هي كاتبة تتبع نموذجاً ثابتاً لبناء العمل الأدبي، كما هو الحال في الرواية الكلاسيكية: رسم شخصيات “بورتريهات” ثم تحريكهم بإدخالهم في علاقة ثم تخطيط مسار زمني ليس الزمن الدافع للتقدم، بل الزمن الرتيب، القائم على إعادة إنتاج ما كان بالأمس، أي أن تصبح حياتنا كحياة الشجرإذ يثمر شجراً وحياة الأرانب إذ تلد الأرانب.
لكن هاهو كاتب عرفته من خلال أعمال مسرحية ، قدم مسرح الطليعة بعضها، وهي مسرحيات تتحول فيها الرموز كما يتحول المجاز إلى صور.. إنه ينتقل من المجرد إلى المحسوس.
وفي هذا العام يدخر لنا إيهاب فاروق حسني مفاجأة، رواية صدرت بعنوان ” البيت القديم ” …
والبيت القديم يظل مهجوراً ليس به سوى حارسه، ذلك أن الأسطورة تحوم في القرية ” أو المدينة لا أدري ” بأن البيت القديم لن تعود إليه الحياة إلا بعد عودة الغائب المنتظر…
وكما هو الحال في عالم البيزنس، يشتري من يطلق عليه أهل البلدة ” الغريب ” بعض الأراضي الواحدة بعد الأخرى حتى يصبح له الحق في الإقامة … لماذا اختار هذا المكان بالذات ؟ لأن هناك أشباحاً تحدثه عن وجود كنز مفتاحه في يد الحارس، ولن يفتح إلا بعد عودة الغريب، وكما في أسطورة سالومي، وكما في التصور اللاهوتي لسالومي ويوحنا، هاهو الغريب لديه سالومي أخرى هي ” ماريكا ” …
ورغم هذه الأجواء الأسطورية، فسلوك الشخصيات مواز تماماً لسلوك من ولدوا كرجال أعمال في مرحلة الانفتاح، الحياة أشبه بكباريه، عليك أن تنتزع من زبائنه كل ما لديهم، ووسيلتك هي الغواية، الإغراء، الجنس الصارخ الآلي. هذه الازداوجية في سرد الأحداث، تؤدي لى تفكيك المنطق الثنائي الذي اعتدنا أن نصيغ أفكارنا في حدوده، هذا شرير، وذاك خير… هذا أبيض واذاك أسود.
إيهاب يصف قرية ” أو مدينة ” وصفاً واقعياً، بيت مهجور، حارسه يقتل، تتأجج في صدر شاب الرغبة في ردع القاتل، وهو، غير أهل البلدة يؤمن بأنه لو حشد من لديهم إرادته ؛ فسوف ينتصر .. لكن كيف وهذا الوافد المسمى بالغريب لديه جيش من الأشباح ، يحركهم كما يشاء ويدفعهم إلى القضاء على من يقف في وحهه ؟ ..
إنه شاب يشير سلوكه إلى سلوك قادة المقاومة الشعبية في أي مكان وقع تحت براثن قوى استعمارية، هذا في الواقع .. أما في الطرف المقابل، فموضوعه ، أي المحتل وأتباعه، كائنات غير مرئية، وهي غير مرئية لو نظرنا إليها بمنظار الواقع لوجناها تحمل دلالة أساسية ؛ إن من يستسلمون فإنما يستسلمون لأنهم يعتقدون في قرارة أنفسهم بالعجز .. بأنهم أمام قوى لا يمكن قياس قدرتها اللانهائية بينما هم لا يملكون سوى البكاء على من يقتل، أو الدعاء لكي تنقذهم السماء ممن يمتصون دماءهم.
المجاز :
في منطقنا الثلاثي نستخدم المجاز؛المرابي مثلاُ وصف بأنه مصاص دماء… كما نذكر جميعاً كيف حولت هولييوود هذا المجاز إلى صور محسوسة في أفلام مثل ” الخفاش ” أو مصاص الدماء أو نيفرواتو” .. هذا بالنسبة للمجاز المكر، أما المجاز المؤنث فهو المرأة العنكبوت أو الفتاة التي تتحول إلى فهد.. ألخ..
هذه الازدواجية هي أسلوب إيهاب فاروق حسني في السرد.. ولنضرب مثلاً من روايته، إنه مشهد زفاف الحسني، رجل المقاومة سلوكياًوالبطل الأسطوري مجازاً، حيث يتم هذا الزفاف بعد إعصار طوق أشباح الغريب، فظن أهل البلدة أنه قد انتهى إلى الأبد، وبدات مراسم الزفاف …
ولنقرأ معاً ما كتبه إيهاب : { يعم الفرح البلدة الحزينة، منذ سنوات خلت لم تر عيونها لحظة فرح عزيزة، حتى أعلن الإعصار ثورته، اجتاح سياج الغريب، أغرق أشباحه في يوم غضبه السحيق.. ثم ساد البلدة سكون مفاجئ.. هكذا ظنوا ان الغريب قد انتهى إلى الأبد } ..
على هذه الأرضية الأسطورية ظاهرياً نتبع الاستعداد للزفاف ونقرأ : { في الليلة الأولى تضاء المشاعل وسط بيوت الشعر } وتزداد دهشتنا هل يوجد زفاف تحتوية بيوت الشعر ؟!.. مجاز .. ثم يضيف :{ لا يبرح الحسني بيته الممتلئ على أعمدته الخشبية ، يجلس داخله متأنقاً في حلّة بطولته } ..وصف واقعي للبيت بنما حلة العرس هي المجاز : البطولة… ثم يضيف الراوي :{ بينما الأبطال يرقصون على أنغام الدبكة وينشدون:
التوت عيني ع العريس بالاول
صاحب الوجه السموح المدور
قالتلو يا عريس يا ابن الكرامي
عيرني سيفك ليوم الكوان
سيفي محلوف عليه ما بعيرو سيفي ماصل من بلاد اليماني
فأي أبطال هؤلاء الذين يرقصون؟!. وأي عريس يحمل سيفه ؟!
ثورة على الثنائية الفكرية:
نحن هنا نتأرجح بين الواقع وبين ماهو مخزون في ذاكرتنا من أبنية فكرية ثنائية: جان مقابل بشر، لكن إذا كان ما ينشده الأبطال هو نص حقيقي من أغاني التراث الفلسطيني، فما سميته “تفكيك” البنى الثابتة يتأكد ، فما الغريب سوى القوى الاستعمارية، وما الزفاف إلا انتفاضة شعب، والأمثلة عديدة، ومن عادة النقاد الأكاديميين التصنيف ، كإنما نحن أمام صناديق مكتب بريد: هنا رومانسية، هنا واقعية، هنا حبكة وعقدة وهنا حركة … ألخ…
هذا هو منطق الفكر الثنائي، أما الفكر الديالكتيكي فهو الوعي بأن كل ماهو ثنائي وجهان لظاهرة واحدة.
منذ سنوات بعيدة في برانامج ” كتابات جديدة ” الذي يذاع بالبرنامج الثاني، ويقوم على مناقشته الكاتب مع الناقد ، وجدتني أمام نص هو واحد من النصوص القلائل التي تحول مخزون الذاكرة الجماعية إلى صور حسية، عادة استسلام العاقر لأشعة القمر، وهي فوق السطح كأنما تضجع جنسياً ، البناء الدائري، كدوامات تتزايد اتساعاً ، تموج المشاعر ، كل هذا وجدته في ” دوائر عدم الإمكان ” للروائي مجيد طوبيا، وهاهو إيهاب فاروق حسني يواصل هذا الاتجاه مع الفوارق في الصياغة
البيت القديم .. ثورة على الزمن لرتيب الذي يعيد إنتاج ما كان بالأمس
• الكاتب إيهاب فاروق حسني يواصل البناء الدائري الذي بدأه مجيد طوبيا في دوائر عدم الإمكان
• يصف الكاتب القرية وصفاً واقعياً
• سلوك الشخصيات في الرواية مواز تماماً لسلوك من ولدوا كرجال أعمال في مرحلة الانفتاح
• في الرواية نتأرجح بين الواقع وبين ما هو مخزون في ذاكرتنا من أبنية فكرية
• أعمال الكاتب المسرحية تحول فيها المجرد إلى محسوس[/b]
في فترات التحول التاريخي الكبرى، كالانتقال من العمل الزراعي وحده إلى العمل الصناعي ، ومن الإضاءة بمصابيح الزيت إلى اكتشاف قدرتنا على تجميع الضوء في أنبوب ، فإذا ما كان مجهولاً لنا من جبال وغابات تسكنها الأشباح ويحوم حولها الجان ، إذا بكل هذا يختفي، وتصبح نظرتنا إلى الحياة نظرة من يرى الطريق مفتوحاً أمامه، وأن الله سبحانه وتعالى جعلنا على الأرض لنسعى.
في هذه الفترات تحدث خلخلة في وسائل التعبير سواءء أكان أدباً أو دراما أو سينما؛ لأن المجتمع الإنساني بعد أن عاش أحد عشر قرناً لا يعرف عن العالم إلا من يأتي إليه ليحدثه عنه، أو ما ينشده شاعر شعبي من ملاحم ، بعد قرون لا يتخطى سكان إقطاعية ما حدود أرضهم، هاهي وسائل الاتصال يتوالى تطويرها، القطار، السيارة، الطائرة، التليفون… وكل وسيلة تحمل مفردات جديدة لم تكن في قاموس لغة هذا الشعب أو ذاك .
واقع أخذ في الاتساع لمن يؤمن بالتقدم…
أما الذين آثروا السكون والدعة في كادر محدود: أسرة، عمل، مقهى، سامر.. ألخ.. فهذا الجديد الذي طرأ يخرجهم عن بنية إجتماعية – نفسية – كل ما فيها يوضع تحت إتيكيت ” تقاليدنا وتقاليد أسلافنا ” .
النموذج الثابت:
وفي كل مرة أقرأ فيها عملاً جديداً لكاتب أو كاتبة لم تعرها أعمدة الصحف اهتماماً، تتتابع في ذهني كل ما أشرت إليه في مقدمة هذا الحديث: أهو كاتب أو هي كاتبة تتبع نموذجاً ثابتاً لبناء العمل الأدبي، كما هو الحال في الرواية الكلاسيكية: رسم شخصيات “بورتريهات” ثم تحريكهم بإدخالهم في علاقة ثم تخطيط مسار زمني ليس الزمن الدافع للتقدم، بل الزمن الرتيب، القائم على إعادة إنتاج ما كان بالأمس، أي أن تصبح حياتنا كحياة الشجرإذ يثمر شجراً وحياة الأرانب إذ تلد الأرانب.
لكن هاهو كاتب عرفته من خلال أعمال مسرحية ، قدم مسرح الطليعة بعضها، وهي مسرحيات تتحول فيها الرموز كما يتحول المجاز إلى صور.. إنه ينتقل من المجرد إلى المحسوس.
وفي هذا العام يدخر لنا إيهاب فاروق حسني مفاجأة، رواية صدرت بعنوان ” البيت القديم ” …
والبيت القديم يظل مهجوراً ليس به سوى حارسه، ذلك أن الأسطورة تحوم في القرية ” أو المدينة لا أدري ” بأن البيت القديم لن تعود إليه الحياة إلا بعد عودة الغائب المنتظر…
وكما هو الحال في عالم البيزنس، يشتري من يطلق عليه أهل البلدة ” الغريب ” بعض الأراضي الواحدة بعد الأخرى حتى يصبح له الحق في الإقامة … لماذا اختار هذا المكان بالذات ؟ لأن هناك أشباحاً تحدثه عن وجود كنز مفتاحه في يد الحارس، ولن يفتح إلا بعد عودة الغريب، وكما في أسطورة سالومي، وكما في التصور اللاهوتي لسالومي ويوحنا، هاهو الغريب لديه سالومي أخرى هي ” ماريكا ” …
ورغم هذه الأجواء الأسطورية، فسلوك الشخصيات مواز تماماً لسلوك من ولدوا كرجال أعمال في مرحلة الانفتاح، الحياة أشبه بكباريه، عليك أن تنتزع من زبائنه كل ما لديهم، ووسيلتك هي الغواية، الإغراء، الجنس الصارخ الآلي. هذه الازداوجية في سرد الأحداث، تؤدي لى تفكيك المنطق الثنائي الذي اعتدنا أن نصيغ أفكارنا في حدوده، هذا شرير، وذاك خير… هذا أبيض واذاك أسود.
إيهاب يصف قرية ” أو مدينة ” وصفاً واقعياً، بيت مهجور، حارسه يقتل، تتأجج في صدر شاب الرغبة في ردع القاتل، وهو، غير أهل البلدة يؤمن بأنه لو حشد من لديهم إرادته ؛ فسوف ينتصر .. لكن كيف وهذا الوافد المسمى بالغريب لديه جيش من الأشباح ، يحركهم كما يشاء ويدفعهم إلى القضاء على من يقف في وحهه ؟ ..
إنه شاب يشير سلوكه إلى سلوك قادة المقاومة الشعبية في أي مكان وقع تحت براثن قوى استعمارية، هذا في الواقع .. أما في الطرف المقابل، فموضوعه ، أي المحتل وأتباعه، كائنات غير مرئية، وهي غير مرئية لو نظرنا إليها بمنظار الواقع لوجناها تحمل دلالة أساسية ؛ إن من يستسلمون فإنما يستسلمون لأنهم يعتقدون في قرارة أنفسهم بالعجز .. بأنهم أمام قوى لا يمكن قياس قدرتها اللانهائية بينما هم لا يملكون سوى البكاء على من يقتل، أو الدعاء لكي تنقذهم السماء ممن يمتصون دماءهم.
المجاز :
في منطقنا الثلاثي نستخدم المجاز؛المرابي مثلاُ وصف بأنه مصاص دماء… كما نذكر جميعاً كيف حولت هولييوود هذا المجاز إلى صور محسوسة في أفلام مثل ” الخفاش ” أو مصاص الدماء أو نيفرواتو” .. هذا بالنسبة للمجاز المكر، أما المجاز المؤنث فهو المرأة العنكبوت أو الفتاة التي تتحول إلى فهد.. ألخ..
هذه الازدواجية هي أسلوب إيهاب فاروق حسني في السرد.. ولنضرب مثلاً من روايته، إنه مشهد زفاف الحسني، رجل المقاومة سلوكياًوالبطل الأسطوري مجازاً، حيث يتم هذا الزفاف بعد إعصار طوق أشباح الغريب، فظن أهل البلدة أنه قد انتهى إلى الأبد، وبدات مراسم الزفاف …
ولنقرأ معاً ما كتبه إيهاب : { يعم الفرح البلدة الحزينة، منذ سنوات خلت لم تر عيونها لحظة فرح عزيزة، حتى أعلن الإعصار ثورته، اجتاح سياج الغريب، أغرق أشباحه في يوم غضبه السحيق.. ثم ساد البلدة سكون مفاجئ.. هكذا ظنوا ان الغريب قد انتهى إلى الأبد } ..
على هذه الأرضية الأسطورية ظاهرياً نتبع الاستعداد للزفاف ونقرأ : { في الليلة الأولى تضاء المشاعل وسط بيوت الشعر } وتزداد دهشتنا هل يوجد زفاف تحتوية بيوت الشعر ؟!.. مجاز .. ثم يضيف :{ لا يبرح الحسني بيته الممتلئ على أعمدته الخشبية ، يجلس داخله متأنقاً في حلّة بطولته } ..وصف واقعي للبيت بنما حلة العرس هي المجاز : البطولة… ثم يضيف الراوي :{ بينما الأبطال يرقصون على أنغام الدبكة وينشدون:
التوت عيني ع العريس بالاول
صاحب الوجه السموح المدور
قالتلو يا عريس يا ابن الكرامي
عيرني سيفك ليوم الكوان
سيفي محلوف عليه ما بعيرو سيفي ماصل من بلاد اليماني
فأي أبطال هؤلاء الذين يرقصون؟!. وأي عريس يحمل سيفه ؟!
ثورة على الثنائية الفكرية:
نحن هنا نتأرجح بين الواقع وبين ماهو مخزون في ذاكرتنا من أبنية فكرية ثنائية: جان مقابل بشر، لكن إذا كان ما ينشده الأبطال هو نص حقيقي من أغاني التراث الفلسطيني، فما سميته “تفكيك” البنى الثابتة يتأكد ، فما الغريب سوى القوى الاستعمارية، وما الزفاف إلا انتفاضة شعب، والأمثلة عديدة، ومن عادة النقاد الأكاديميين التصنيف ، كإنما نحن أمام صناديق مكتب بريد: هنا رومانسية، هنا واقعية، هنا حبكة وعقدة وهنا حركة … ألخ…
هذا هو منطق الفكر الثنائي، أما الفكر الديالكتيكي فهو الوعي بأن كل ماهو ثنائي وجهان لظاهرة واحدة.
منذ سنوات بعيدة في برانامج ” كتابات جديدة ” الذي يذاع بالبرنامج الثاني، ويقوم على مناقشته الكاتب مع الناقد ، وجدتني أمام نص هو واحد من النصوص القلائل التي تحول مخزون الذاكرة الجماعية إلى صور حسية، عادة استسلام العاقر لأشعة القمر، وهي فوق السطح كأنما تضجع جنسياً ، البناء الدائري، كدوامات تتزايد اتساعاً ، تموج المشاعر ، كل هذا وجدته في ” دوائر عدم الإمكان ” للروائي مجيد طوبيا، وهاهو إيهاب فاروق حسني يواصل هذا الاتجاه مع الفوارق في الصياغة