كتب أراجون ذات مرة يقول : ( أيها العالم الغربي، أنت محكوم عليك بالموت، وليستجب الشرق عدوك المحيق إلى صرختنا؛ سوف نبذر بذور الفوضى في كلّ مكان ) .لقد تنبه ذلك الشاعر المتمرد إلى حقيقة هامة؛ مغزاها تأجج لهيب الصراع بين الفكر الروحي، متمثلاً في الشرق الذي تأثر به وفاضت به إبداعاته، والفكر المادي الذي ظهر بقوة في أوروبا، وبلغ ذروته في نهاية القرن التاسع عشر، عندما دعى غالبية المفكرين والعلماء إلى رفض تصور فكرة الخالق ما خلا المادة وخصائصها. وظهور بعض النظريات التي تروج لأفكار داعمة لهذا الاتجاه؛ كنظرية حدوث الكون بدون خالق ( سبنسر ) ونظرية ارتقاء الكائنات ( داروين ) و نظريات كالوجودية والشيوعية والعلمانية ... وغير ذلك من النظريات والأفكار المستحدثة التي أدت إلى شيوع التجريبية تمهيداً لإلغاء العقل الفطري السليم المحمّل بأفكارٍ روحية... كانت هذه العبارة المذكورة التي أطلقها أراجون، قبل نشوب الحرب العالمية الثانية؛ بمثابة خلاصة استطاع أن يلخص بها حقيقة الصراع القديم... المستعر... المنتظر... الصراع الدائر بين العقل واللاعقل... الذي ينتج عنه إثارة فوضى غير منظمة؛ تمهيداً لإحداث ثورة غاضبة ضد فكرة العقل المنظم المتأمل، أو بالأحرى إثارة الجنون في عقل الشرق، ألدّ أعداء الغرب؛ حتى يُفقدوه حكمته التي تقوده إلى طريق الانتصار، فإذا ما فقد الشرق حكمته صار الجنون بديلاً، وصارت الفوضى وعدم التدبر سمتين ظاهرتين تقودان إلى الهلاك والدمار.وحيث إن لفظة ( عقل ) الواردة بمعنى " التثبت من الأمور " إنّما عُنِىَ بها العرب في بادئ الأمر، باعتبارهم أول مَنْ تلقى رسالة الإسلام بلسانٍ عربي، وتأسيساً على أنهم مَنْ أنيط بهم عبء حَمل الرسالة وتبليغها في شتّى أنحاء الأرض.ولأن الفوضى هي نقيض النظام؛ إذ حيث لا تُعقل الأمور، وتضطرب الأشياء لتصبح في غير موضعها المُدرك .. تكون الفوضى... وهو ما يتعارض مع طبيعة الفكر الإسلامي... فالإسلام رسالة عقلانية في المقام الأول، تدعو أولي الألباب إلى التفكير بغاية استخلاص الحقائق.وقد ادرك الغرب هذه الحقيقة، وأيقنوا أهمية العقل وخطورة الدور الي يؤديه في الحفاظ على رسالة الإسلام، والإبقاء على توازن العالم الإسلامي، الأمر الذي جعلهم يسعون إلى استلابه ومحاربته بشتّى السُبُل، فوضعوا المخططات، وأخذوا يبثوا سمومهم بنشر الفكر المادي... ونشر المخدرات بكل أشكالها: فكرية، مادية، جنسية... ألخ... مستهدفين بذلك القضاء على العقل الواعي ؛ الذي يؤدي فساده إلى انهيار سائر الجسد، وانعدام مقاومته لكافة التيارات الساعية لتدميره.تعتبر قضية العقل والاهتمام بها قضية قديمة، ومواكبة لنشأة الإنسان؛ إذ أن عملية التفكير قد اقترنت بوجود الإنسان، لكي يتمكن من المقارنة والاختيار. فالحياة عبارة عن مجموعة من الظواهر المتفقة أحياناً، والمختلفة أحياناً أخرى. ويبرز دور العقل في المقارنة بين هذه الأشياء لمعرفة الحقائق، والتاريخ حافل بالسير والأخبار التي تبرز لنا أهمية العقل في حياة الناس. وتعتبر قصة إبراهيم { عليه السلام } من اعظم ما سيق لنا في هذا الشأن، عندما أعمل عقله في مسألة عبادة الأوثان، فوجد أن الأمر لا يعدو كونه تقليداً أعمى، فحطم آلهتهم إلا كبيراً لهم .... { .. قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ(60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فرجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ } سورة الأنبياء . واستخدام إبراهيم للفعل " تعقلون " مسبوقاً بالاستفهام الاستنكاري يُراد به الرفض المطلق لعبادة الأوثان، واستنكار لعدم استعمال العقل في عملية التفكير والمقارنة بهدف إدراك الحق من الباطل. وأحداث التاريخ مدونة، يستطيع كل إنسان الرجوع إليها لاستخلاص ما تنطوي عليه من دروس؛ لأن استخلاص التجارب من عمل العقل، وكذلك فهم المراد منها، يستطيع كل ذي عقل أن يحدد لنفسه موقفاً من خلال تلك التجارب. ونحن في أشد الحاجة إلى أن ندرس الوضع العالمي الراهن بعناية وحكمة، وأن نضع نصب أعيننا مصادر التكوين الفكري للغرب، تلك التي يتخذونها ذريعة حقيقية – بخلاف الظاهر – ليؤسسوا عليها مخططاتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية، ويسعون إلى تحقيقها من خلال فرض القوة والهيمنة لتدمير الآخر ... يستطيع الدارس المتأمل أن يدرك حقيقة أن الغرب يعتمد في وضع مخططاته على مصادره الدينية، لا تمسكاً بالدين كما يبدو في الظاهر، وإنما اتخاذه وسيلة وحجة تبرر مساعيه، خاصة المصادر الدينية التي تطرح رؤى مغايرة لرؤيتنا... ولكي يتيسر لنا فهم ما يدور حولنا من احداثٍ يتعمدون صنعها، ينبغي علينا الرجوع إلى هذه المصادر والنبش في أغوارها...وللتدليل على ذلك، نورد بعضاً من نصوص العهد القديم، التي كان لها تأثير شديد في توجيه العقل السياسي الصهيوني ... { ... فيخرج الرب ويحارب تلك الأمم في يوم حرية يوم القتال، وتقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون الذي قدام أوشليم من الشرق فينبثق جبل الزيتون، وهذه تكون الضربة التي يضرب بها الرب كل الشعوب الذين تجندوا على أورشليم لحمهم يذوب وهم واقفون على أقدامهم وعيونهم تذوب في أوقابها ولسانهم يذوب في فمهم } (زكريا – الإصحاح الثاني عشر) . وفي موضع آخر .. { ... افتح أبوابك يا لبنان فتأكل النار أرزك } ( زكريا – الإصحاح الثاني عشر ) . وغيرها من النصوص الكثيرة التي تبرز حقيقة الفكر الصهيوني وتوجهاته .فإذا ما اجتهدنا في إعمال العقل، سندرك أن إسرائيل لا تسعى إلى ســلام ، ولا تنوي ذلك ، إنما هي مسألة وقت، ولا يعنيها سوى استثارة الشعوب بأسرها، وإثارة الفوضى؛ ونسج الجنون حولها، حتى تفقدها توازنها، تمهيداً لتحقيق الحلم الذي يعيشونه في يقظتهم ومنامهم، ذلك الذي تحول إلى عقيدة بديلة في أعماقهم، لا تزحزحها كافة المساعي... لأنهم حريصون على جذب العالم إلى ما يؤمنون به من ضرورة حصار أورشليم تمهيداً للنهاية الحتمية؛ نزول المخلّص للقضاء على كافة شعوب الأرض – باستثناء جنود الصهيونية – فيعم السلام بعد ذلك !...لا مفــــــــــر إذن من فكر المقاومة...لا مفـــــــــر من الحرب ...فهم على وعي بما يفعلونه. ونحن لا نتصور ذلك. يعلمون ما يريدون. ولا ندرك سوى ما نراه ملموساً أمام أعيننا.. وهذا سبب معاناتنا...والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : لماذا ننصت إلى ما يُقال من كلام عبر وسائل الإعلام ولا نهتم بمجريات الأمور ؟ ... لماذا نأخذ ظواهر الأشياء ولا نتوغل إلى مضامينها ؟!...فلو أدركنا أن لكل عقل وسيلتين يعبر بهما عن مضمونه ومحتواه, وهما : الكلام والسلوك؛ نستطيع بعد ذلك أن نقيم علاقة واضحة بين ما يحدث فعلاً وما يٌقال؛ لأن إعمال العقل يثير النفس البشرية ويدفعها إلى التأمل الدقيق، ثم إلى بلوغ الحقائق التي تعد غاية المعرفة .والعقل مقود بحدود معينة، لا يجب أن يتخطاها إلى ما هو أبعد، وإلا عجز عن التوصل إلى معرفة؛ لأن المعارف لها أسبابها، فإذا ما انتفت تلك الأسباب لانعدمت إمكانية المعرفة ذاتها؛ إذ كيف يدرك من لا وجود له؟ فلن يتمكن العقل من تكوين معرفة لعدم وجود معلومات تعقد المقارنة بناء عليها، فيحدث الاختلال في عملية التفكير.. ومن هنا تحدث الفوضى التي تعد من أخطر المؤثرات على العقل المنظم السليم. والبيئة التي ينشأ الإنسان في ظلالها كذلك؛ تعتبر المؤثر الأول على تكوين العقل، فبحسب الثقافات والعادات والمعتقدات يتهيأ العقل وتتشكل مفرداته. ومن مجمل هذه المكتسبات تتكون الشعوب، بدءاً من المجتمع الصغير " الأسرة " وانتهاء بأكبر المجتمعات شمولية " العالم " . ويظل التأثير الأقوى رهن أول مجتمع نشا الفرد فيه؛ حيث يتلقى أول معلومات في حياته ليتهيأ عقلياً ونفسياً وعقائدياً... فإذا ما صارت تلك المكتسبات راسخة، فلا يمكن التحول عنها إلى غيرها، إلا بإعمال العقل في عملية المقارنة بين شتّى المؤثرات وصولاً للحقيقة الخالصة. من هنا يصبح العقل وليد أيدلوجية معينة تتولى تشكيله وتجهيزه بما يتلاءم مع محتواها؛ لكي ينمو وفقاً لها ويعمل على خدمتها.ولأن كل أيدلوجية تسعى إلى فرض هيمنتها على غيرها، فإن الاختلافات تصير حتمية، وتتولد الصراعات بالتبعية لها، فيؤدي ذلك إلى خلق أجواء من التوتر التي تقود إلى اختلال توازن العقل ... فيفقد حكمته... ويستتبع ذلك الشتات عن الهدف، والسعي وراء حياة زائلة قوامها اللهو والعبث والترف، متجاهلين بذلك الحكمة الحقيقية من الوجود، والتي تتطلب منا إعمالاً دائباً للعقل من أجل السيطرة على النفس ونوازعها.ونحن إذا أردنا أن نعود إلى صوابنا، فلابدّ من الرجوع أولاً إلى مصادرنا الدينية التي أشارت إلى خطورة الوضع الراهن، حتى نتمكن من وضع خطة سليمة لمواجهة الأحداث المقبلة، تلك التي تحمل كثيراً من المخاطر والأهوال المنتظرة، فإذا لم نعد أنفسنا إليها عقلياً ونفسياً وأيدلوجياً .. فسننجرف حتماً... وننقاد إلى أيدلوجية مغايرة تأخذنا في طوفانها... في طريق القضاء على هويتنا.. وما تبقى فينا من رفات عقلٍ اختل توازنه وشتّ عن هدفه.لابدّ إذن من أن نجد لأنفسنا أيدلوجية خاصة بنا، بحيث تحمل في جوهرها كافة المضامين والمعاني والقيم المستمدة من عقيدتنا، وأهمها : التوحد المطلق في القول والعمل.. وما من سبيل غير ذلك للوصول إلى مرفأ آمن في خضم طوفان جارف.
السبت، 27 أغسطس 2011
الفوضى الخلاَّقة ( دعوة صهيونية لتدمير الشرق )
كتب أراجون ذات مرة يقول : ( أيها العالم الغربي، أنت محكوم عليك بالموت، وليستجب الشرق عدوك المحيق إلى صرختنا؛ سوف نبذر بذور الفوضى في كلّ مكان ) .لقد تنبه ذلك الشاعر المتمرد إلى حقيقة هامة؛ مغزاها تأجج لهيب الصراع بين الفكر الروحي، متمثلاً في الشرق الذي تأثر به وفاضت به إبداعاته، والفكر المادي الذي ظهر بقوة في أوروبا، وبلغ ذروته في نهاية القرن التاسع عشر، عندما دعى غالبية المفكرين والعلماء إلى رفض تصور فكرة الخالق ما خلا المادة وخصائصها. وظهور بعض النظريات التي تروج لأفكار داعمة لهذا الاتجاه؛ كنظرية حدوث الكون بدون خالق ( سبنسر ) ونظرية ارتقاء الكائنات ( داروين ) و نظريات كالوجودية والشيوعية والعلمانية ... وغير ذلك من النظريات والأفكار المستحدثة التي أدت إلى شيوع التجريبية تمهيداً لإلغاء العقل الفطري السليم المحمّل بأفكارٍ روحية... كانت هذه العبارة المذكورة التي أطلقها أراجون، قبل نشوب الحرب العالمية الثانية؛ بمثابة خلاصة استطاع أن يلخص بها حقيقة الصراع القديم... المستعر... المنتظر... الصراع الدائر بين العقل واللاعقل... الذي ينتج عنه إثارة فوضى غير منظمة؛ تمهيداً لإحداث ثورة غاضبة ضد فكرة العقل المنظم المتأمل، أو بالأحرى إثارة الجنون في عقل الشرق، ألدّ أعداء الغرب؛ حتى يُفقدوه حكمته التي تقوده إلى طريق الانتصار، فإذا ما فقد الشرق حكمته صار الجنون بديلاً، وصارت الفوضى وعدم التدبر سمتين ظاهرتين تقودان إلى الهلاك والدمار.وحيث إن لفظة ( عقل ) الواردة بمعنى " التثبت من الأمور " إنّما عُنِىَ بها العرب في بادئ الأمر، باعتبارهم أول مَنْ تلقى رسالة الإسلام بلسانٍ عربي، وتأسيساً على أنهم مَنْ أنيط بهم عبء حَمل الرسالة وتبليغها في شتّى أنحاء الأرض.ولأن الفوضى هي نقيض النظام؛ إذ حيث لا تُعقل الأمور، وتضطرب الأشياء لتصبح في غير موضعها المُدرك .. تكون الفوضى... وهو ما يتعارض مع طبيعة الفكر الإسلامي... فالإسلام رسالة عقلانية في المقام الأول، تدعو أولي الألباب إلى التفكير بغاية استخلاص الحقائق.وقد ادرك الغرب هذه الحقيقة، وأيقنوا أهمية العقل وخطورة الدور الي يؤديه في الحفاظ على رسالة الإسلام، والإبقاء على توازن العالم الإسلامي، الأمر الذي جعلهم يسعون إلى استلابه ومحاربته بشتّى السُبُل، فوضعوا المخططات، وأخذوا يبثوا سمومهم بنشر الفكر المادي... ونشر المخدرات بكل أشكالها: فكرية، مادية، جنسية... ألخ... مستهدفين بذلك القضاء على العقل الواعي ؛ الذي يؤدي فساده إلى انهيار سائر الجسد، وانعدام مقاومته لكافة التيارات الساعية لتدميره.تعتبر قضية العقل والاهتمام بها قضية قديمة، ومواكبة لنشأة الإنسان؛ إذ أن عملية التفكير قد اقترنت بوجود الإنسان، لكي يتمكن من المقارنة والاختيار. فالحياة عبارة عن مجموعة من الظواهر المتفقة أحياناً، والمختلفة أحياناً أخرى. ويبرز دور العقل في المقارنة بين هذه الأشياء لمعرفة الحقائق، والتاريخ حافل بالسير والأخبار التي تبرز لنا أهمية العقل في حياة الناس. وتعتبر قصة إبراهيم { عليه السلام } من اعظم ما سيق لنا في هذا الشأن، عندما أعمل عقله في مسألة عبادة الأوثان، فوجد أن الأمر لا يعدو كونه تقليداً أعمى، فحطم آلهتهم إلا كبيراً لهم .... { .. قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ(60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فرجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ } سورة الأنبياء . واستخدام إبراهيم للفعل " تعقلون " مسبوقاً بالاستفهام الاستنكاري يُراد به الرفض المطلق لعبادة الأوثان، واستنكار لعدم استعمال العقل في عملية التفكير والمقارنة بهدف إدراك الحق من الباطل. وأحداث التاريخ مدونة، يستطيع كل إنسان الرجوع إليها لاستخلاص ما تنطوي عليه من دروس؛ لأن استخلاص التجارب من عمل العقل، وكذلك فهم المراد منها، يستطيع كل ذي عقل أن يحدد لنفسه موقفاً من خلال تلك التجارب. ونحن في أشد الحاجة إلى أن ندرس الوضع العالمي الراهن بعناية وحكمة، وأن نضع نصب أعيننا مصادر التكوين الفكري للغرب، تلك التي يتخذونها ذريعة حقيقية – بخلاف الظاهر – ليؤسسوا عليها مخططاتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية، ويسعون إلى تحقيقها من خلال فرض القوة والهيمنة لتدمير الآخر ... يستطيع الدارس المتأمل أن يدرك حقيقة أن الغرب يعتمد في وضع مخططاته على مصادره الدينية، لا تمسكاً بالدين كما يبدو في الظاهر، وإنما اتخاذه وسيلة وحجة تبرر مساعيه، خاصة المصادر الدينية التي تطرح رؤى مغايرة لرؤيتنا... ولكي يتيسر لنا فهم ما يدور حولنا من احداثٍ يتعمدون صنعها، ينبغي علينا الرجوع إلى هذه المصادر والنبش في أغوارها...وللتدليل على ذلك، نورد بعضاً من نصوص العهد القديم، التي كان لها تأثير شديد في توجيه العقل السياسي الصهيوني ... { ... فيخرج الرب ويحارب تلك الأمم في يوم حرية يوم القتال، وتقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون الذي قدام أوشليم من الشرق فينبثق جبل الزيتون، وهذه تكون الضربة التي يضرب بها الرب كل الشعوب الذين تجندوا على أورشليم لحمهم يذوب وهم واقفون على أقدامهم وعيونهم تذوب في أوقابها ولسانهم يذوب في فمهم } (زكريا – الإصحاح الثاني عشر) . وفي موضع آخر .. { ... افتح أبوابك يا لبنان فتأكل النار أرزك } ( زكريا – الإصحاح الثاني عشر ) . وغيرها من النصوص الكثيرة التي تبرز حقيقة الفكر الصهيوني وتوجهاته .فإذا ما اجتهدنا في إعمال العقل، سندرك أن إسرائيل لا تسعى إلى ســلام ، ولا تنوي ذلك ، إنما هي مسألة وقت، ولا يعنيها سوى استثارة الشعوب بأسرها، وإثارة الفوضى؛ ونسج الجنون حولها، حتى تفقدها توازنها، تمهيداً لتحقيق الحلم الذي يعيشونه في يقظتهم ومنامهم، ذلك الذي تحول إلى عقيدة بديلة في أعماقهم، لا تزحزحها كافة المساعي... لأنهم حريصون على جذب العالم إلى ما يؤمنون به من ضرورة حصار أورشليم تمهيداً للنهاية الحتمية؛ نزول المخلّص للقضاء على كافة شعوب الأرض – باستثناء جنود الصهيونية – فيعم السلام بعد ذلك !...لا مفــــــــــر إذن من فكر المقاومة...لا مفـــــــــر من الحرب ...فهم على وعي بما يفعلونه. ونحن لا نتصور ذلك. يعلمون ما يريدون. ولا ندرك سوى ما نراه ملموساً أمام أعيننا.. وهذا سبب معاناتنا...والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : لماذا ننصت إلى ما يُقال من كلام عبر وسائل الإعلام ولا نهتم بمجريات الأمور ؟ ... لماذا نأخذ ظواهر الأشياء ولا نتوغل إلى مضامينها ؟!...فلو أدركنا أن لكل عقل وسيلتين يعبر بهما عن مضمونه ومحتواه, وهما : الكلام والسلوك؛ نستطيع بعد ذلك أن نقيم علاقة واضحة بين ما يحدث فعلاً وما يٌقال؛ لأن إعمال العقل يثير النفس البشرية ويدفعها إلى التأمل الدقيق، ثم إلى بلوغ الحقائق التي تعد غاية المعرفة .والعقل مقود بحدود معينة، لا يجب أن يتخطاها إلى ما هو أبعد، وإلا عجز عن التوصل إلى معرفة؛ لأن المعارف لها أسبابها، فإذا ما انتفت تلك الأسباب لانعدمت إمكانية المعرفة ذاتها؛ إذ كيف يدرك من لا وجود له؟ فلن يتمكن العقل من تكوين معرفة لعدم وجود معلومات تعقد المقارنة بناء عليها، فيحدث الاختلال في عملية التفكير.. ومن هنا تحدث الفوضى التي تعد من أخطر المؤثرات على العقل المنظم السليم. والبيئة التي ينشأ الإنسان في ظلالها كذلك؛ تعتبر المؤثر الأول على تكوين العقل، فبحسب الثقافات والعادات والمعتقدات يتهيأ العقل وتتشكل مفرداته. ومن مجمل هذه المكتسبات تتكون الشعوب، بدءاً من المجتمع الصغير " الأسرة " وانتهاء بأكبر المجتمعات شمولية " العالم " . ويظل التأثير الأقوى رهن أول مجتمع نشا الفرد فيه؛ حيث يتلقى أول معلومات في حياته ليتهيأ عقلياً ونفسياً وعقائدياً... فإذا ما صارت تلك المكتسبات راسخة، فلا يمكن التحول عنها إلى غيرها، إلا بإعمال العقل في عملية المقارنة بين شتّى المؤثرات وصولاً للحقيقة الخالصة. من هنا يصبح العقل وليد أيدلوجية معينة تتولى تشكيله وتجهيزه بما يتلاءم مع محتواها؛ لكي ينمو وفقاً لها ويعمل على خدمتها.ولأن كل أيدلوجية تسعى إلى فرض هيمنتها على غيرها، فإن الاختلافات تصير حتمية، وتتولد الصراعات بالتبعية لها، فيؤدي ذلك إلى خلق أجواء من التوتر التي تقود إلى اختلال توازن العقل ... فيفقد حكمته... ويستتبع ذلك الشتات عن الهدف، والسعي وراء حياة زائلة قوامها اللهو والعبث والترف، متجاهلين بذلك الحكمة الحقيقية من الوجود، والتي تتطلب منا إعمالاً دائباً للعقل من أجل السيطرة على النفس ونوازعها.ونحن إذا أردنا أن نعود إلى صوابنا، فلابدّ من الرجوع أولاً إلى مصادرنا الدينية التي أشارت إلى خطورة الوضع الراهن، حتى نتمكن من وضع خطة سليمة لمواجهة الأحداث المقبلة، تلك التي تحمل كثيراً من المخاطر والأهوال المنتظرة، فإذا لم نعد أنفسنا إليها عقلياً ونفسياً وأيدلوجياً .. فسننجرف حتماً... وننقاد إلى أيدلوجية مغايرة تأخذنا في طوفانها... في طريق القضاء على هويتنا.. وما تبقى فينا من رفات عقلٍ اختل توازنه وشتّ عن هدفه.لابدّ إذن من أن نجد لأنفسنا أيدلوجية خاصة بنا، بحيث تحمل في جوهرها كافة المضامين والمعاني والقيم المستمدة من عقيدتنا، وأهمها : التوحد المطلق في القول والعمل.. وما من سبيل غير ذلك للوصول إلى مرفأ آمن في خضم طوفان جارف.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق