كان برناردشو _ الكاتب المسرحي الإيرلندي – أديباً ظريفاً... ساخراً... لاذعاً في كتابتهِ... لا يبالي بمخالفة المألوف والتمرد على التقاليد السائدة... وفي عام 1925 قررت لجنة نوبل منح جائزتها - التي يحلم بها كل أديب في العالم - إليه، لكنه رفضها قائلا: إن جائزة نوبل تشبه طوق النجاة، الذي يتم إلقاؤه لأحد الأشخاص بعد أن يكون هذا الشخص قد وصل إلى الشاطئ...
وفي الكلمة نفسها سخر بإسلوبه اللاذع من نوبل مؤسس الجائزة... الذي جمع ثروته الكبيرة بسبب اختراعه للديناميت قائلاً: إنني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت... ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل ...
هذا حال برناردشو وجائزة نوبل...
وإن كانت الجوائز لا تصنع أدباءً... إلاّ إنها تكون تعبيراً عن قيمة أولئك الأدباء وما قدموه من فكرٍ بنّاء في المجتمع... لا سيما تلك الجوائز التي تخصصها الدول لأبنائها ممن يحملون على عاتقهم عناء مهنة الفكر والإبداع...
لكن المشلكة تبرز عندما تنحرف الجائزة عن هدفها الذي أنشئت من أجله.. لترضي هذا تارة... وتجامل ذلك تارة أخرى... أو أن تضلّ طريقها بالتسييس لتصبح آداة تشترى بها أقلام بعض دعاة الفكر والأدب... فتكون بذلك ثمناً رخيصاً لقاء ضمائر نخرة.. أو لتروج لأفكار غير مقبولة بين عامة الناس...
ومنذ عدة أعوام تهادت جائزة الدولة التقديرية إلى الروائي صنع الله إبراهيم؛ الذي أشاح بوجهه عنها... مبرراً رفضه لها بقوله : (كل ما أستطيع هو أن أشكر مرة أخرى أساتذتي الأجلاء الذين شرفوني باختياري للجائزة وأعلن اعتذاري عن عدم قبولها لأنها صادرة عن حكومة لا تملك –في نظري- مصداقية منحها وشكرا)... وفيما يبدو لي أن سبب رفضه للجائزة اعتبارها توجهاً لطيّه تحت الإبط وكسر أنفه كي يكفّ عن الصراخ والعويل برواياته في وجه كل مَنْ يُطال بقلمهِ... لكنّه استشعر ذلك بحدثهِ وذكائه... فكان منه ما كان...
هذا شأنه أيضاً... وكان له ما أراد...
لكن هذا الموقف لم يتوقف عند صنع الله... وإنما ظل المشهد يتكرر ولقد ظننت أن هذ الموقف سيكون داعياً إلى حثّ المنظمين للجائزة على إعادة حساباتهم فيمن يستحق الجائزة ومن لا يستحقها تأسيساً على قواعد علمية سليمة! ... لكنه قد أخذ في التكرار كأن شيئاً لم يحدث... وكأن أحداً لم يطلق بقلمه سهم تمرد يصيب المسئولين في الصميم...
ما من شكٍ في أن جوائز الدولة المصرية قد أنشئت للغرض الرئيسي الذي تحدثنا عنه آنفاً... لكنها تحولت عن مسارها مع الأيام، وباختلاف الأوجه الموضوعة على رأسها؛ لتصبح درباً من (الفانتازيا) لا يحكمها منطق واضح، ولا تتبع نظاماً أو معايير ثابتة... مثلها في ذلك مثل أمور كثيرة نعجز عن فهمها...
مؤخراً أطلت علينا جوائز الدولة على استحياءٍ لتعلن عن فوز مجموعة من الأسماء في شتّى مجالات الجائزة... فكان منهم مَنْ يستحقها فعلاً، وقد فرحنا له كثيراً، وإن كانت قد تأخرت عليه – على حدِّ قول برناردشو – لتصيبهم بعد فوات الآوان !... ومنهم مَنْ لا يستحقها أصلاً... بل إن منحها إليه يعدّ شكلاً من أشكال الهزل.. وقد دهشنا لطرح أسماء مثل هؤلاء ضمن الفائزين بالجائزة ! ... ولم نعِ أسباب فوزهم بها حتى الآن !... لكننا نرى ضرورة أن توضع الأمور في نصابها السليم، وكفانا ضلالاً باستقصاء المصالح حتى نعطي من لا يستحق ونمنع عمّن يستحق، وكأن الجائزة قد باتت عنقود عُنبٍ في كرمةٍ بلا صاحبٍ !...
ويظل السؤال طليقاً : هل سيتمكن هؤلاء المستحقون للجائزة من الفوز بها يوماً ما؟ أم أن المسألة لا تعدو كونها حسابات شخصية وسياسية ؟!!!...
الأمر غير واضح...
تلك رسالة أبعث بها إلى وزير الثقافة المصري؛ بأن يعطي الحق لمن يستحقه...
أنا لا أطلب شيئاً لنفسي لأني واحد ممن لا يُخطئهم الضرّ أبداً، فمنذ ما يربو على عشرِ سنوات قد أصابني سهم صدئ وقاتل من تلك الجائزة على يد مقرر إحدى اللجان؛ ليحرمني من حقي في الحصول على الجائزة التشجيعية التي أستحققتها بإجماع أعضاء اللجنة عن رواية لي، لكنه آثر منحها لغيري بقرار فردي، ليعطيها لمن لا تستحقها فعلاً، إنه العام نفسه الذي طلقت فيه جوائز الدولة في مصر بل وكل الجوائز الأخرى في قاهرة المعزّ... ويقيني أني لو منحت الجائزة الآن فسأحذو حذو الأديب صنع إبراهيم !...
ولكن لله الحمد الذي أنصفني بجوائز عربية أخرى ردت إلي بعضاً من كرامتي المهدرة على أرض طني!...
وختاماً... فإني أنتظر على أحرِّ من الجمرِ أن أطالع في العام المقبل – بإذن الله- اســم (شعبولا) كواحد من اهم الحاصلين على الجائزة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق