دعوة إلى إنشاء قناة فضائية للكُتّاب العرب
الكتّاب العرب لا ينقصهم الكوادر المؤهلة لإدارة وتشغيل قناة تلفزيونية لإعلان الحرب على الفكر الهدّام.
ميدل ايست اونلاين
إن عَظَمة الأمم لا تتحقق بالدموع، والانتصارات لا تتحقق بالشعارات الفارغة، وإنّما علينا أن نكف عن العويل والبكاء، علينا أن نفكّر وأن نعمل حتى نتمكن من الخروج من حالة الركود والشجب إلى حالة الحركة. ومن حالة اللافعل إلى حالة الفعل، حتى نستطيع مواجهة عدونا بالقوةِ التي يسعى عدونا إلى دغدتها داخلنا.
لابدّ قبل الخَوض في التفاصيل أن نقـف أمام أنفسنا وقفة حساب للنفسِ، أن نُقِرّ بحقيقةٍ هامةٍ، تلك الحقيقة التي نسعى إلى الهروبِ من مواجهتها منذ عشراتِ السنين، لأنها ببساطة سوف تعرّينا أمام التاريخ. وتفضحنا أمام الأجيال القادمة ... لكنّها – للأسف – حقيقة لابدّ من مواجهتها أولاً حتّى نتمكن من الانتقال إلى الخطوة التالية في طريق الإصلاح.
هذا إذا ما كنّا حريصين على الانتقال خطوة في طريق مواجهة عدوّ بات جُلّ همّه أن يقضي على ما بَقي فينا من رمَقٍ أخيرٍ للحياةِ.
لابدّ من أن نقف أمام مرآة أنفسنا ونعترف بتخاذلنا. وبأننا نقتل الضمير الحيّ في أنفسنا مع إشراقة شمس كل يومٍ جديدٍ.
لابدّ من أن نعترف أننا في عدادِ الأمواتِ على قيدِ الحياة. لكنّها حياة مغموسة في مرارة الذلّ والضعف والمهانة.
ولا أطلب ذلك من أجلِنا نحن؛ لأننا انتهينا فعلاً. ولكن أطلب ذلك من أجلِ أبنائنا ... من أجلِ مستقبلٍ أفضل لَهم.
أيُُ مُسْتقبل ذلك الذي ينتظر هؤلاء الأبرياء؟
إنّ الاعتراف بمثل هذه الحقيقة يعني ميلاد الأمل في التخلص من حالة الضعف والاستسلام إلى حالة المواجهة. أو حتّى تحسين صورتنا أمام الأجيال المٌقبلة كيلا تظل قاتمةً إلى الأبدِ.
ولا يحدوني الشكّ في أن المفكرين والأدباء والكتّاب يضطلعون بدورٍ كبيرٍ في سبيل استخلاص أسباب الخطر التي تُحـاصرنا في كـلِّ لحــظةٍ، والسعي إلى تصحيح الأوضاعِ.
لكننا في زمنٍ عجيبٍ، للأسف، لأنّه زمن لا تَصِل فيه الكلماتُ إلى القلوبِ باستعمال الوسيط الطبيعي والمألوف، ألاَ وهو الكِتاب، وإنّما لابدّ من استعمال الأبواقِ العالية التي تَأسر الأذنِ قبل القلوب. وربّمـا أثَّرت على الآذان فاستولتِ على القلوبِ دون النّظر إلى جَودتها أو القيمة الكامنة داخلها. ذلك هو واقعنا المخزي.
وطالما أن الأمر قد باتَ كذلك،. فلنطلب الرّحمة للأمواتِ أحياءً، إذْ كُلُُّ يُغَنِّي على لَيلاه! حيث حَلّ بنا الشتات محلّ التماسك. وصارتِ روح الفردية والأنانية هي الأساس. كُلُّ يَسْعَى إلى تَحقيقِ المكاسِب الفَرديةِ ولو أدى الأمر إلى التضحيةِ بالجماعةِ. تلك هي مُصِيتنا! لا سِيّما أولي الأمرِ فيِنا؛ مَنْ يُنَاط بِهم إدَارة شئون جَماعةً ما في زمنٍ ما في مكانٍ ما.
هؤلاء الّذين يُشْبِهون قادة الطّائراتِ العالقة في السَّماء. أو السُّفنِ المَـواخِر في أعالي البِحار. هؤلاء الذين لا يجب أن تَختلِف مصائرهم عن مصَائرِ مَنْ يَحملونَ معهم. لكنّهم في غيبةٍ عن إدراك تلك الحقيقة، أو بالأحرى فإنهم مُغيبون بإرادتهم.
لهذا أصبحنا نسير عكس اتجاه الفطرة البشرية التي تفضي إلى أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعهِ. حيث صارَ كُلّ منَا يلهثُ خلف كّل ما يمكن أن يُطال. تاركاً وراء ظهره القضية الرئيسية في الحياة. ألا وهي قضية تواصل الأجيال.
وقد ساعدت على ذلك سواعد أعدائنا الممتدة إلينا بكلِّ قوتها تُدغدغ فينا تماسكنا، وتجذبنا بعيداً عن الهدف كي نَضِلُّ، مُستخدمين في حربهم ضدنا أخطر سِلاح على وجه التاريخ (الإعلام). فالإعلام بكلِّ أشكاله يُعدّ فتنة هذا الزمان، وأخطر وسيلة مستخدمة ضدنا للقضاء علي هويتنا، لأنه ببساطة قد صَار جُعبةً تحوي داخلها كُلّ أشكال التأثير الأخرى. وحتّى ما نملكه منه قد نجح أعداؤنا في استعماله ضدنا. والتدليل على ذلك لا يحتاج سوى أن يفتح أي منّا صنبور القنوات الفضائية السائلة على رؤوسنا حتى يُدرك حقيقة الخطر الذي يتهدد أبناءنا في المستقبل.
لقد أدرك أعداؤنا خطورة العقل البشري في تحقيق رسالة الحياة. وكذلك خطورة رسالة الإسلام المبنية على أساسٍ متينٍ يتخذ من العقل سبيلاً له لاختراق المعاني وصولاً للعقيدة الإلهية الراسخة.
ولأنّ أعداءنا قد ضلوا الطريق منذ زمنٍ بعيدٍ. وحادوا عن العقل الصحيح فقد امتلأت قلوبهم رعباً من أن تتسيّد العقيدة الإسلامية بقوتها على مخاطبة العقول، وقُدرتها على الإقناع لمن يريد أن يعي. فأخذوا يُسَلّطون علينا شياطينهم التي تُطِلّ علينا كُلّ يومٍ من صِنبورِ الإعلام الهابط؛ لإلغاء ذلك العقل الواعي فينا، واستبداله برأسٍ خاوٍ، لا يَعدو كونه (بالوناً) منتفخاً على فراغٍ. ولكم أن تتصوروا أُمّة يستبدل أجيالها المقبلة عقوهم بـ (البالونات) الفارغة. تلك أُمّة مصيرها الزوال لا ريب في ذلك.
وساعد أعداءنا على ذلك أصحاب المصالح الفردية منّا. وما أقلهم رغم قوتهم وقُدرتهم على التأثير.
لكلِّ ذلك ضعف دور العقل. وشَرع المستفيدون منّا يُحاربون ذلك العقل الواعي بكلِّ ما لديهم من قوةِ جَهلٍ. حتّى صَارَ هؤلاء أخطر علينا من أعدائنا الذين نجحوا في غرسهم بيننا ليكونوا جنودهم الأبرار. أو شياطينهم من الإنسِ بيننا. فينشروا فينا الفساد. ويقتلوا كُلّ ذي عقلٍ لبيبٍ.
هكذا صرنا إلى الهاوية. وضَعَف دور المفكرين في التأثيرِ على العقول. ولِمّ لا وقد عَمّ الجهلُ وانتشرتِ بيننا عمليات التسطيح المُتَعمّدة؟ حتّى صَارتِ الراقصاتِ قُدوة يَسْعَى أبناؤنا إلى الاقتداء بهن في كُلِّ شئونِ حياتهم.
وما أراه كخطوةٍ أولى لمحاولة الشفاء من حالة الشلل التي أصابتِ مفكرينا؛ ومن منطلق مسئوليتنا تجاه عقيدتنا وأنفسنا وأبنائنا ومجتمعاتنا؛ هو أن نُعلن الحرب.
نعم لابدّ من أن نعلن حرباً قويّة. حَرب الفكر بالفكر. أعني أن نواجه الأفكار السلبية المدمرة الوارد إلينا بحربِ الفكر الإيجابي الهجومي التصحيحي. لا يجب أن نتنظر حتى يهبط البلاء على رؤوسنا كالصّواعق، بل نٌقبِل على توفير سُبُل الحماية والهجوم قبل وقوع الكارثة. هذا من ناحيةٍ. ومن ناحية أخـرى، أن نُحارب أعداءنا بمثل ما يُحاربوننا به. أن نكشف مساعيهم. ونفضح مخططاهم التدميرية على الملأ.
ولا أجد وسيلة أقوى لتحقيق ذلك من الإعلام. إنّه السِّـلاح نفسـه. صِنبور القنوات الفضائية المفتوحة. والدعاية إليها بكلِّ طرق الجذب الممكنة والمتاحة.
ولأننا من المبتلين بمهنة الفكر فإننا الأولى بذلك. ولأننا نحمل شُعلة الثقافة في أوطاننا فقد صِرنا مُكلفين بذلك أمام المولى. والتاريخ شاهد علينا.
من هذا المنطلق فإنِّي أناشد كُل صاجب فكر أو أدب أو قلم متمثلاً في الأستاذ محمد سلماوي بصفته الأمين العام لاتحاد الكُتّاب العرب أن يبدأ خطوته الأولى. أن يُطلق رصاصة البداية بعقد مؤتمر للأدباء العرب بالقاهرة يكون عنوانه "حـرب الفكـر" وموضوعه إنشاء أول قناة فضائية تحمل اسم الكُتّاب العرب، قناة فضـائية متخصصة، كخطوة أولى تُصبح وسيلة المفكرين العرب المباشرة للمواجهة - ولا أظنّ أن الكتّاب العرب ينقصهم الكوادرٍ المؤهلة لإدارة وتشغيل مثل هذه القناة - لإعلان الحرب على العدو اللعين. إعلان الحرب على الفكر الهدّام بالفكر البـنّاء. ولا أقول فكر المقاومة ولكن أقول فــكر الهجوم.
فالأجدر بنا أن نكشف ألاعيب أعدائنا البهلوانية، أن نَنشر الوعي بين أبناء الدول الأخرى بحقيقةِ ما يجري.
تلك حَمْلَةُُ أبدأها داعياً أن ينضمّ إليّ فيها من الكُتّابِ العرب كُلّ مَنْ يجدُ فيها بُرَّة أملٍ، هذا أفضل من أن نقف مكتوفي الأيدي مكتفين بالشجبِ والدفاع العقيم عن أفكارٍ ومعتقدات هي في غِنىَ عن دفاعنا لأنها أقوى من أعظم أسلحة الدمار الشامل.
أفكار ستظلّ باقية إلى نهاية الزمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق